الزيارات الإقليمية للرئيس اسياس افورقي : قراءة في الأبعاد واستشراف للمآلات
تقرير : visionnews

في مشهد دبلوماسي إقليمي مكثف، أجرى الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، زيارة مفاجئة إلى السودان، سبقتها زيارة إلى مصر. هذه الزيارات المتلاحقة، في توقيت بالغ الحساسية، تدفع إلى تحليل أبعادها الجيوسياسية، وتساؤل جوهري: هل يمكن أن تمهد هذه الخطوات لتحول استراتيجي في علاقات القوى بالقرن الأفريقي، خاصة في ظل توتر علاقات أسمرا مع أديس أبابا؟
السياق الإقليمي: جمر تحت الرماد
لا يمكن فهم هذه الزيارات بمعزل عن المشهد الإقليمي المتأزم. فبعد سنوات من “التحالف الظرفي” بين إريتريا وإثيوبيا إبان حرب تيغراي، عادت العلاقات بين البلدين إلى مربع التوتر التقليدي. أسباب هذا التوتر متعددة، أبرزها:
1. عدم وضوح المكاسب: لم تحقق إريتريا المكاسب المرجوة من التحالف، سواء على صعيد الاعتراف الدولي أو رفع العقوبات الاقتصادية بشكل كامل.
2. المشاكل العالقة: لا تزال قضايا مثل ترسيم الحدود ومصير الأسرى والحد من التسلح دون حل.
3. التطلعات الإثيوبية للموانئ: تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد المتكررة حول ضرورة حصول بلده على منفذ بحري، تثير قلقاً عميقاً في أسمرا التي تعتبر أي حديث عن التنازل عن سيادتها على أراضيها أو موانئها خطاً أحمر.
قراءة في الزيارات: أبعاد متعددة
· زيارة السودان: تأتي في ظل أوضاع داخلية سودانية بالغة التعقيد. قد تهدف أسمرا من ورائها إلى:
· تعزيز النفوذ: تمتلك إريتريا نفوذاً كبيراً على الأرض في شرق السودان، وتسعى لتحويل هذا النفوذ إلى ورقة ضغط إقليمية.
· إيجاد حليف: البحث عن حليف استراتيجي في مواجهة إثيوبيا، خاصة مع استمرار الخلافات الإثيوبية-السودانية حول منطقة الفشقة.
· إدارة ملف الحدود: مناقشة القضايا الأمنية العابرة للحدود وتهريب السلاح والبشر.
· زيارة مصر: وهي الزيارة الأكثر دلالة، حيث تجمع الطرفين بموقف مشترك من إثيوبيا، رغم اختلاف الأسباب.
· التقاء المصالح حول النيل: مصر قلقة من سد النهضة الإثيوبي، وإريتريا قلقة من الطموحات الإثيوبية التوسعية نحو الموانئ. هذا التقاء المصالح يخلق أرضية خصبة لتحالف تكتيكي.
· احتواء النفوذ الإثيوبي: تسعى كل من القاهرة وأسمرا، كل من زاويته، إلى وضع حد للصعود الإثيوبي في المنطقة والذي يشعران بأنه يهدد مصالحهما الحيوية.
· البعد الاقتصادي: مناقشة سبل التعاون الاقتصادي والاستثمارات المصرية المحتملة في إريتريا كبديل عن الاقتصاد الإثيوبي.

المآلات المحتملة: تحالفات جديدة أم دبلوماسية موازنة؟
هل يمكن أن تنجح هذه الزيارات في تأسيس تحالف ثلاثي (مصري – إريتري – سوداني) لمواجهة إثيوبيا؟ الإجابة معقدة. الاحتمالات متعددة:
1. تعزيز محور مضاد لإثيوبيا: هذا سيناريو متطرف لكنه ليس مستبعداً. قد يؤدي إلى زيادة التصعيد العسكري والدبلوماسي في المنطقة، مما يهدد الاستقرار الهش أصلاً.
2. دبلوماسية الضغط والمساومة: الأكثر ترجيحاً هو أن إريتريا تستخدم هذه الورقة لزيادة قدرتها التفاوضية مع أديس أبابا، وإجبارها على تقديم تنازلات في الملفات العالقة، وربما التخلي عن مطالبها بالموانئ.
3. محدودية التأثير: قد تبقى هذه الخطوات مجرد استعراض دبلوماسي دون نتائج ملموسة، خاصة في ظل عدم استقرار الوضع في السودان الذي قد يعيقه عن لعب دور فاعل في أي تحالف.
خاتمة:
زيارات الرئيس أفورقي ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي روتيني، بل هي إشارة واضحة على إعادة ترتيب التحالفات في القرن الأفريقي. إنها رسالة إلى أديس أبابا مفادها أن إريتريا ليست بلا خيارات، وأنها قادرة على بناء تحالفات قد تكلف إثيوبيا الكثير. في النهاية، يبقى السؤال: هل نرى إرهاصات حرب باردة جديدة في المنطقة، أم أن هذه الخطوات ستؤدي إلى دفع جميع الأطراف إلى طاولة الحوار لتسوية خلافاتهم؟ المستقبل القريب، وحده، كفيل بالإجابة.
