القرن الأفريقي… الإقليم المحاط بأطماع وتهديدات وصراعات
هاشم علي حامد محمد كاتب وباحث في الشؤون الافريقية
ملخص
تعد منطقة القرن الأفريقي بحدودها الضيقة أو الواسعة منطقة استراتيجية، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، وذات أهمية حيوية لمقابلتها آبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وملاصقتها لإقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا بتميزه في غنى موارده المائية والنفطية والمعدنية.
تبعات تواجه دولاً في استقلالها ومصالحها جراء أطماع إقليمية وخارجية، وتدافع على القرن الأفريقي كهدف حيوي في جملة ما تمثله المنطقة من أهمية وتعيشه من تعقيدات، فإلى جانب ما تراه دول المنطقة من حقوق مشروعة تصادمها أطماع خارجية بحجة المصالح. فكيف تتصافى الأوضاع على مياه القرن الأفريقي في البحر الأحمر وخليج عدن دون الأطماع وتبعات الصراع؟
تطورات القرن الأفريقي لا تمثلها الأطماع الخارجية فحسب، لتتداخل عوامل أخرى في تركيبة البنية القُطرية لدُوَلِه ما بين الضعف والقوة والتطلع والاصطدام، وضمن مجريات الأحداث تتصاعد أخطار تشكل توتراً لمياهه في البحر الأحمر وخليج عدن وعلى أطراف المحيط الهندي.
القرن الأفريقي في الوصف الجغرافي يمتد على اليابسة غرب البحر الأحمر وخليج عدن على صورة قرن يضم شموله أربع دول رئيسة هي الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، لكن تتسع المنطقة من الزاوية السياسية والاقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا وضمن الإطار السياسي المائي تضاف مصر كذلك للمنطقة لدى بعض الاستراتيجيين.
وتعد منطقة القرن الأفريقي بحدودها الضيقة أو الواسعة منطقة استراتيجية كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، وذات أهمية حيوية لمقابلتها آبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وملاصقتها لإقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا بتميزه في غنى موارده المائية والنفطية والمعدنية.
ويكتسب القرن الأفريقي أهمية حيوية من الناحية الجغرافية، نظراً إلى أن دُوَله تطل على المحيط الهندي، وتشرف على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب، ومن ثم فإن دُوَله تتحكم في طريق التجارة العالمي، بخاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة، كما أنه يعد ممراً مهماً لأية تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي.
توسع المفهوم
عملت الدبلوماسية الأميركية لتحديد منطقة القرن الأفريقي في توسع يتجاوز المفهوم التقليدي للمنطقة، حيث طرحت مستشارة الأمن القومي الأميركي السابقة سوزان رايس عام 1998 فكرة مشروع القرن الأفريقي الكبير في الفكر الاستراتيجي الأميركي، الذي يعتمد القرن الأفريقي بمعناه الجغرافي زائداً السودان امتداداً إلى منطقة البحيرات العظمى.
ومن جهته يقول الدبلوماسي اليمني السابق عبدالله أنس الإرياني (المتوفى عام 2022)، “يتوسع مفهوم القرن الأفريقي ليضم إضافة إلى الصومال وإثيوبيا وجيبوتي وإريتريا كلاً من السودان وكينيا بسبب التداخل الحدودي والقبلي، بل ويعد اليمن دولة من دول القرن الأفريقي، بحكم التقارب الجغرافي والتواصل السكاني والتأثير والتأثر”، فهو في رأيه “مرتبط ارتباطاً جذرياً بالقرن الأفريقي”.
وهناك عدد من الآراء في الاستدلال بالمفهوم الجيوسياسي للقرن الأفريقي كونه الأقرب من وراء فهم وتحليل التفاعلات الحادثة في شمول الدول الواقعة على شواطئ البحر الأحمر التي تتحكم في المدخل الجنوبي لهذا البحر، وبخاصة الصومال واليمن والخليج العربي، ليكتسب موقع القرن الأفريقي في النظريات الجيوسياسية أهميته الاستراتيجية، ومع ذلك فإن أهمية القرن الأفريقي لا تقتصر على اعتبارات الموقع فحسب، ولكن أيضاً على الموارد الطبيعية، فضلاً عما يعتمل في داخله من صراع يولد أحداثاً وتحديات تدفع بالتدخلات والتحالفات الخارجية.
رأس الرمح
الاهتمام الأميركي بالقرن الأفريقي ذو أبعاد اقتصادية وأمنية في المقام الأول، يتبعه نشاط سياسي يمثل رأس الرمح، مؤثراً في أحداث المنطقة ضمن حيثيات القبول أو الرفض، كما يمثل ما اصطلح على تسميته الإرهاب في ظهور بعض الحركات المحلية المسلحة سبباً مباشراً لتدخلات ناجزة لمحاربته للحفاظ على واقع المصالح، إذ قادت الولايات المتحدة الأميركية خلال العقود الماضية عديداً من النشاط في محاربة الإرهاب والجماعات المتشددة بمنطقة القرن الأفريقي، كما العمل على تكييف استراتيجيتها مع المستجدات.
وكانت جولة وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في مايو (أيار) 2015 إلى المنطقة تأكيداً جديداً على أهميتها بالنسبة إلى الرؤية الأميركية لأمنها القومي، وقد ركز الوزير كيري مع القادة الإقليميين على مكافحة الإرهاب، واستئصال “حركة الشباب” الصومالية، كما كانت زيارته الصومال، هي الأولى من نوعها لمسؤول دبلوماسي رفيع المستوى منذ ثمانينيات القرن الـ20، وأجرى خلالها التركيز على التعاون والتنسيق في مجالات التعاون الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب.
وخلال فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن نشطت السياسة الأميركية عبر المبعوثين الأميركيين للقرن الأفريقي الذين ظلوا في حركة متابعة لتطورات المنطقة، إلى حين الولاية الحديثة للرئيس دونالد ترمب الذي توصف توجهاته بتجاهل القارة الأفريقية قاطبة، ومحدودية التفاعل على رغم عدم إسقاط السياسة الأميركية اهتمامها بالقرن الأفريقي والمياه الساخنة الأحداث في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما عكسه الاتفاق الحديث مع الحوثيين وأنشطة أخرى لا تزال في طي الكتمان.
التفاعلات المحلية
على مستوى آخر فإن التحولات في التحالفات بالقرن الأفريقي لا تخضع فقط للرغبة الدولية، بقدر ما للساحة المحلية من أثر في تفاعل القادة المحليين مع القوى الدولية أو الإقليمية، وبالأمس كانت حرب “أوغادين” بين إثيوبيا والصومال، والأجواء المصاحبة لاستقلال إريتريا وتداعيات الشرق الأوسط، ولا تختلف أحداث اليوم في قضية سد النهضة والتنافسات البحرية وما تشكله حركة “الشباب” والحوثيين، ليصب كل ذلك كدوافع حراك ومتغيرات، ففي مواجهة الطموح الإثيوبي في الوصول إلى البحر ومذكرة التفاهم مع صوماليلاند (أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991) كانت نشأة التحالف المصري الصومالي – الإريتري في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، ومن قبلها الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، وتأتي كلها ضمن التطورات الإقليمية البارزة التي تموج بها منطقة القرن الأفريقي.
وتشير مصادر أمنية إلى اهتمام جديد توليه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في رئاسته الثانية بإقليم أرض الصومال “صوماليلاند” الواقع في الشمال الغربي للصومال في البر الرئيس لقارة أفريقيا على شاطئ خليج عدن مقابل مضيق باب المندب، والذي تحده إثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال الغربي، وخليج عدن من الشمال حتى الحدود البحرية مع اليمن، وذلك ضمن التسابق على البحر الأحمر وخليج عدن لأغراض تكتيكية، وما تمثله الشواطئ الصومالية من حافز تسابق مع الصين ودول أخرى في مواجهة التحديات الراهنة.
كل ذلك ينذر بمتغيرات حقيقية تتأثر بها المنطقة، سواء على الواقع الجيوسياسي الذي يستقبل لاعبين جُدداً، أو على مستويات التحديات فيما يشكله الرفض والتحديات المحلية من مقاومة وعدم استقرار.
أصول استراتيجية
تقول الباحثة الإماراتية سارة النيادي “تعد جيبوتي منذ سنوات قاعدة الارتكاز الرئيسة للوجود العسكري الأميركي في القرن الأفريقي، حيث تحتضن ’معسكر ليمونييه‘ الذي يعد القاعدة الأميركية الوحيدة الدائمة في أفريقيا، غير أن هذه العلاقة بدأت بالتآكل، خصوصاً بعد رفض حكومة جيبوتي، في مايو 2024، طلباً أميركياً باستخدام أراضيها لشن عمليات ضد الحوثيين في البحر الأحمر”.